← رجوع

بلومبرج: هل يُسهم جواز سفر اللقاح في إعادة فتح العالم؟

ترجمة: إبراهيم مأمون

بعد أكثر من عام على اتباع إجراءات احترازية وقيود سفر عالمية بهدف كبح انتشار فيروس "كوفيد-19" عالميًا، إلا أن شركات الطيران العالمية والدول التي يعتمد اقتصادها على السياحة تبحث عن طوق نجاة لها لم يُثبت علميًا حتى الآن مدى فعاليته.

وترى الشركات التي تضررت بشدة من الجائحة خلال العام الماضي جوازات السفر بمثابة خلاص من الخسائر المتتالية التي مُنيت بها؛ حيث يُقدر الاتحاد الدولي للنقل الجوي "إياتا"، الذي يُمثل 290 شركة طيران في جميع أنحاء العالم، أن صناعة الطيران ستتكبد خسائر تصل إلى 95 مليار دولار في عام 2021، بعد أن عانت بالفعل من أسوأ عام لها على الإطلاق خلال العام الماضي.

وذكرت وكالة "بلومبرج" الإخبارية أن شركات الطيران دعمت عددًا من الحلول التقنية للتحقق من نتائج اختبارات التطعيم أو اختبارات "كوفيد-19" الخاصة بالركاب، مثل تطبيق "ترافل باس" من إياتا، وتطبيق "إي أو كيه باس" من شركة "إنترناشيونال إس أو إس"، وتطبيق "كومون باس" الذي تطوره منظمة سويسرية غير ربحية والمنتدى الاقتصادي العالمي.

ويقول جيفري جو، الرئيس التنفيذي لتحالف ستار الذي يضم 26 شركة طيران عالمية بما في ذلك إير تشاينا، ودويتشه لوفتهانزا، والخطوط الجوية السنغافورية، ويونايتد إيرلاينز هولدنجز، "عدم وضع معايير ثابتة قد يتسبب في إعاقة مثل هذه الجهود التي تحظى بالفعل بكثيرٍ من التأييد، إلا أنه ينقصها اتخاذ خطوات بناءة نحو تنفيذها"، ويضيف "يجب الاتفاق على مجموعة واحدة من معايير استخراج جوازات سفر اللقاح على مستوى مجموعة السبعة أو مجموعة العشرين، لأن جوازات سفر اللقاح تمثل "خيارًا سياسيًا لإعادة إحياء الاقتصاد"".

"إنها تذكرة الحرية للأشخاص الذين تلقوا اللقاح من أجل استئناف بعض من أوجه حياتهم الطبيعية" يشرح @AngusWhitley1 سبب ميل شركات الطيران إلى فكرة استخدام جوازات سفر اللقاح من أجل التحقق من تطعيم الفرد ضد فيروس #كوفيد_19.

لقراءة المزيد: http://bloomberg.com/qt/live

وفي إطار تخفيف الإجراءات الاحترازية بهدف كبح الخسائر المتتالية التي تتكبدها الشركات، أعلنت اليونان أنها سترحب بعودة الزوار بدءًا من 14 مايو المُقبل طالما أن الزوار قد تلقوا تطعيمًا أو تعافوا من فيروس كورونا المُستجد أو ظهرت سلبية اختبارهم قبل السفر.

"إنها الطريقة الأكثر أمانًا"

باناجيوتيس ماستوراس، ربان أحد القوارب المستأجرة في ميناء بجزيرة باكسوس اليونانية، يرى أن إجراءات بلاده في التعامل مع السياح الوافدين إلى اليونان هي الطريقة الأكثر أمانًا، ويُضيف أن قرار تخفيف قيود السفر المفروضة في جميع أنحاء العالم في ظل انتشار الفيروس التاجي يبدو قريبًا للغاية.

"لا يُمكننا الاستمرار على هذا الحال" يقول ماستوراس، وهو أحد العاملين في قطاع الخدمات السياحية في اليونان من بين 850 ألف شخص في القطاع الذي يُمثل ما يقرب من ربع الناتج المحلي لليونان قبل الجائحة، وهي أعلى نسبة في أوروبا.

وتُعد اليونان في طليعة الدول التي تستهدف إحياء السفر العالمي بمساعدة جوازات سفر اللقاح - الشهادات أو البطاقات الرقمية التي تُثبت انخفاض مخاطر تعرض حامليها للإصابة - والتي تكتسب زخمًا بمرور الوقت خاصة بالنسبة للاقتصادات القائمة على قطاع السياحة من منطقة البحر الكاريبي وحتى تايلاند.

شهادة التطعيم

وبعد أن بدأت الخطوط الجوية السنغافورية تجربة تطبيق "إياتا"، وكذلك الخطوط الجوية القطرية، تقول مجموعة «تي يو آي إيه جي»، أكبر شركات الترفيه والسياحة والسفر في العالم، إن جوازات سفر اللقاحات ستكون مفتاح إنعاش لأعمالها على مستوى العالم، كما ألزمت شركة "بي آند أو كروزيس" - التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرًا لها - كل من يصعد على متن سفنها هذا الصيف بالحصول على إثبات تلقي اللقاح.

وفي الولايات المتحدة، أبرمت شركة "أميريكان إيرلاينز جروب" على اتفاق شراء تطبيق "فيريفلاي" الذي تطرحه شركة البرمجيات الحيوية "داون إنك"، فيما طورت شركة "يونايتد إيرلاينز هولدنجز" منصتها الداخلية "ترافيل ريدي"، والتي ستُتيح للركاب المُتجهين إلى وجهات معينة بتحميل سجلات التطعيم بدءًا من أوائل أبريل.

ويرى المدافعون عن الفكرة أنه بمجرد إطلاقها في قطاع السفر، قد تحمل في طياتها إعادة فتح المجتمعات على نطاق أوسع، وتُتيح إقامة الاجتماعات ومؤتمرات العمل وكذلك التجمعات في الأحداث الرياضية والحفلات الموسيقية.

وفي 9 مارس الماضي، أعلنت مجموعة حياة العالمية لإدارة الفنادق أنها تستكشف استخدام تطبيق "فيريفلاي" لمساعدة الضيوف الذين يحضرون الاجتماعات المُقامة في منشآتها.

وترى "بلومبرج" أن الحلول التقنية وإمكانية استخدام شهادات والبطاقات الرقمية لإثبات الحصول على لقاح في مساعدة العملاء في بعض الصالات الرياضية والحانات والمطاعم وحتى المتاجر على استخدام خدماتها بسهولة.

وبالرُغم من محاولة إتاحة إمكانية السفر حول العالم من جديد لمن يثبتون تلقيهم للقاح كوفيد-19، إلا أن هذا لا يعني بالتأكيد عودتهم لحياتهم القديمة قبل تفشي الجائحة، نظرًا لأن كافة اللقاحات المُتاحة حاليًا لا تُعد فعالة بنسبة 100%، ما يعني بأن المسافرين الذين يحملون جوازات سفر لقاح قد يتسببوا في نشر الفيروس عبر المنتجعات المزدحمة.

علاوة على ذلك، فإن بعض اللقاحات - مثل لقاح سبوتنيك في الروسي - لم يُصرح باستخدامها في العديد من الدول، ما يزيد من احتمالية أن يضطر المسؤولون عن إصدار جوازات سفر كوفيد-19 إلى اتخاذ قرارات طبية بشأن اللقاحات الفعالة بالقدر الكافي لإتاحة إمكانية السفر بأمان، على الرغم من أن المهنيين الصحيين لم يحسموا هذا النقاش بعد.

وتُسلط "بلومبرج" الضوء على أكثر الأسئلة أهمية المُحيطة بمحاولات إصدار جوازات سفر اللقاح، ألا وهو مدى إنصاف عملية إصدار الجوازات، والتي من شأنها حتمًا تفضيل سكان الدول الغنية على الدول تلك الفقيرة التي بدأت بالكاد في توزيع جرعات اللقاحات.

واعتمادًا على سياسة توزيع اللقاح الحالية المُتبعة في أغلب الدول، فسوف تُتيح جوازات سفر اللقاح في البداية إمكانية السفر لكبار السن ومتوسطي العمر الذين تلقوا اللقاح حسب الأولوية، وتحظر السفر على الشباب، فيما يُسافر آباؤهم وأجدادهم إلى الأجواء الأكثر دفئًا.

ويتعرض الرئيس الأمريكي جو بايدن لضغوط متزايدة من جانب أصحاب المصالح، ومن بينهم مجموعة "خطوط جوية من أجل أميركا" واللوبي الصناعي، من أجل اعتماد معايير فيدرالية تُتيح إصدار جوازات سفر اللقاح، إلا أنه وقع أمرًا تنفيذيًا في يناير الماضي يتطلب إجراء تقييم حول كيفية استخدام الجواز، لكنه لم يتخذ بعد أي إجراء بشأن طلب وضع إرشادات لاستخدام الجواز وسط مخاوف متعلقة بالخصوصية والتمييز.

وفي فبراير، أوضحت رابطة السفر للأعمال العالمية - التي تتخذ من فرجينيا مقرًا لها - أن أعضائها يديرون أكثر من 345 مليار دولار من إنفاق المستهلكين سنويًا، منوهة بضرورة أن يُخفف البيت الأبيض قيود السفر الجوي المحلي التي تتطلب اختبار سلبي من كوفيد-19، بما يُسهم في تقليل الخسائر التي تتكبدها الصناعة.

ويقول جون غرانت، كبير المحللين في شركة "أو إيه جي" المُتخصصة في حجوزات الطيران، إنه بالرغم من عدم توافر خيارات عديدة للسفر إلى الخارج بالنسبة للأمريكيين، من بينها بعض المناطق في منطقة البحر الكاريبي والمكسيك والتي لا يتطلب السفر إليها إجراء اختبار يُثبت سلبية الإصابة بـ"كوفيد-19" أو دليل الحصول على تطعيم، إلا أن القيود المفروضة على السفر ستدفعهم للسفر إلى فلوريدا.

الاتحاد الأوروبي

في قارة تضررت بشدة من الفيروس التاجي ولا يزال توزيع اللقاحات بطيئُا في كثير من مناطقها، نشبت الخلافات حول هدف جوازات سفر اللقاحات في مساعدة العالم على التعافي من جائحة "كوفيد-19" بشكل خاص بداخل الاتحاد الأوروبي، ففي الجنوب المُشمس أصبحت الدول بحاجة ماسة إلى إحياء السياحة بينما تخشى دول أخرى في أقصى الشمال من عواقب السماح بالسفر.

وفي 17 مارس، أعطى الاتحاد الأوروبي الضوء الأخضر لإصدار جواز السفر الخاص به "الشهادة الخضراء الرقمية"، إلا أن هناك عدد من الأسئلة الرئيسية المطروحة حول الجواز، ومن بينها متى سيكون جواز السفر متاحًا (اقترحت مذكرة داخلية إصداره في غضون ثلاثة أشهر) وما هي المدة الكاملة لإعادة فتح الحدود تمامًا في إطار الفتح التدريجي المُقترح.

وترى "بلومبرج" إن هذه العقبات تدفع بعض الدول مثل قبرص واليونان وإسبانيا إلى المضي قُدمًا في خططها لاستقبال السياح عبر اتفاقيات ثنائية، في حال إذا أرادوا تحقيق أقصى استفادة من موسم الصيف القادم.

وتستهدف المملكة المتحدة السماح بإقامة رحلات ترفيهية دولية تنطلق في 17 مايو المقبل، فيما أصبحت العديد من الدول التي يعتمد اقتصادها على السياحة في حاجة ماسة إلى استقبال السُياح البريطانيين بمجرد رفع القيود؛ حيث تُعد بريطانيا، إلى جانب ألمانيا، هي أكبر مُصدر للسائحين في دول منطقة البحر الأبيض المتوسط.

وفي إسبانيا، انخفضت أعداد الزائرين بنسبة 90% خلال شهر يناير الماضي مُقارنة بنفس الشهر من العام السابق، ما يؤكد استمرار المشاكل في قطاع السياحة الذي يمثل عادةً 10% من اقتصاد البلاد.

وفي جزر الكناري الإسبانية التي تقع قبالة سواحل إفريقيا وعادة ما يمتد موسمها السياحي طوال العام، يعتمد مدير الفندق خورخي ماريشال - الذي يترأس أيضًا الاتحاد الإسباني للفنادق والمساكن السياحية - على إعادة فتح فندقه في تينيريفي، وهي الوجهة السياحية المُفضلة للسياح البريطانيين، خلال شهر مايو المقبل بعد أكثر من عام على الإغلاق بقوله "نحن نعلق آمالنا على تقديم اللقاحات وإصدار جواز سفر خاص بالحاصلين على لقاحات "كوفيد-19".

وفي مدينة الملاهي بورتافينتورا التي تقع بالقرب من مدينة برشلونة وتضم 2200 غرفة، يقول المدير الإداري ديفيد غراسيا إنه يتوقع أن تُسهم جوازات سفر اللقاح في تلبية الطلب العالمي في الربع الثالث من العام الحالي، فيما كان رئيس مجلس إدارة مجموعة بلاندي في جزر ماديرا بالبرتغال مايكل بلاندي الذي تمتلك مجموعته حصصًا في 15 فندقًا، أقل تفاؤلاً.

وبالرغم من أن جزر ماديرا تستقبل بالفعل الزوار الذين يُمكنهم تقديم الوثائق الصحية المناسبة، يقول بلاندي إنه في ظل تفاوت توزيع اللقاحات في مختلف أنحاء العالم، فلن تُساعد جوازات سفر اللقاح على تدعيم صناعة السياحة من جديد إلا في وقت لاحق من العام عندما تحصل أوروبا بأكملها على التطعيم.

دول آسيا

وفي الوقت ذاته، تُبدي بعض الدول مزيدًا من الحذر بشأن استخدام شهادة إثبات تلقي التطعيم كوثيقة أساسية لإعادة فتح أبوابها أمام السائحين؛ حيث تعتزم تايلاند - التي حولتها شواطئها ومعابدها المليئة بالنخيل إلى واحدة من أكبر الوجهات السياحية في جنوب شرق آسيا التي تجذب السياح من جميع أنحاء العالم – إلى تقصير فترة العزل الإلزامية للأجانب الذين تلقوا التطعيم إلى النصف لتُصبح سبعة أيام فقط اعتبارًا من شهر أبريل. فيما سيضطر المسافرون الذين لم يتلقوا أي لقاح إلى اتباع فترة العزل الإلزامية لمدة عشرة أيام.

وفي مارس الماضي، صرح نائب رئيس الوزراء ووزير الصحة العامة التايلاندي أنوتين تشارنفيراكول أن بلاده التي تعتمد في ناتجها المحلي الإجمالي على قطاع السياحة بنسبة 20%، لن تلغي الحجر الصحي تمامًا حتى شهر أكتوبر المقبل وبداية ذروة الموسم السياحي.

وفي جزيرة فوكيت، يقول مؤسس شركة "سي ناين هوتيل ووركس" للاستشارات الفندقية بيل بارنيت إن هناك قلقًا واسع النطاق بشأن مخاطر السماح للأجانب بالعودة إلى البلاد، ففي ظل احتياجهم بالتأكيد إلى تشغيل فنادقهم وتحقيق أرباح في ظل تكبدهم لخسائر خلال العام الماضي، إلا أنه لا يزال هناك عامل خوف من تزايد الإصابة بالفيروس في الجزيرة.

ويُضيف بارنيت إن هذه المخاوف أسهمت في التراجع عن تحركات إعادة فتح فوكيت، وأثارت ضرورة إجراء حملة لتطعيم السكان المحليين من أجل تحقيق مناعة القطيع قبل إعادة فتحها من جديد.

أما بالنسبة للاقتصادات التي ينخفض اعتمادها على قطاع السياحة، تختلف رؤيتها بشأن جواز سفر اللقاحات؛ حيث تُخطط أستراليا لمنح إمكانية الدخول إلى أراضيها إلى المسافرين الذين تلقوا اللقاح من نيوزيلندا وسنغافورة، على الرغم من أنها أغلقت حدودها فعليًا أمام الزوار لمدة عام وهي بالكاد لديها 150 حالة إصابة مؤكدة بالفيروس التاجي.

وفي 18 مارس، قال وزير السياحة الإندونيسي ساندياجا أونو إن السياح الأجانب قد يتمكنون من زيارة بالي مرة أخرى في أقرب وقت ممكن خلال شهر يونيو المقبل إذا قدموا من دول تمتلك برامج تطعيم ناجحة، على الرغم من أن ما يصل إلى مليوني ساكن في بالي سيحتاجون إلى الحصول على التطعيم أولًا.

وعلى صعيد السياحة الوافدة من الصين، تُمثل وتيرة عودة السياح الوافدين من الصين عاملًا هامًا للسياحة في الدول الآسيوية، ففي عام 2019، بلغ عدد السياح الصينيين الوافدين 155 مليون سائح.

ومن بين أعلى وجهات يستهدفها السياح الصينيون هي اليابان وتايلاند وفيتنام، في حين يرغب سياح آخرون في زيارة سلاسل متاجر التجزئة الفاخرة في مدن بعيدة مثل باريس وروما.

وقد يواجه السياح الذين يرغبون في دخول الصين بعض الصعوبات بشأن نوعية اللقاح؛ حيث صرحت السلطات الصينية في مارس بأنها ستخفف من متطلبات الدخول للأجانب الذين تلقوا تطعيمات بلقاح "كوفيد-19" الصيني، فيما لم تسمح سلطات الصحة الأمريكية باستخدام اللقاحات الصينية حتى الآن.

وعقب إعلان بريطانيا عن خريطة طريق لتخفيف القيود على السفر بدءًا من منتصف شهر مايو المقبل، أعلنت مجموعة «تي يو آي إيه جي» عن حدوث قفزة في الحجوزات إلى اليونان وإسبانيا وتركيا بمقدار ستة أضعاف، وقالت شركة الطيران البريطانية "إيزي جيت" أن مبيعاتها تضاعف أربع مرات.