← رجوع

بلومبرج: "كوفيد-19" تهوي بالطبقة الوسطى حول العالم وتدفع 150 مليونًا تحت خط الفقر

ترجمة: إبراهيم مأمون

يُعد بروز الطبقة الوسطى حول العالم بمثابة أحد أهم الاتجاهات الاقتصادية التي ظهرت خلال العقود الماضية، حيث أسهم ارتفاع الدخل في البلدان النامية في انتشال الملايين من براثن الفقر كل عام، لذا فقد تركزت خطط أعمال واستراتيجيات المستثمرين في مختلف أنحاء العالم على هذه الطبقة العاملة، التي كان من المتوقع أن تستمر في النمو بلا توقف.

لكن دراسة أمريكية حديثة كشفت تقلص أبناء الطبقة الوسطى حول العالم بما يُقدر بنحو 150 مليون شخص خلال عام 2020، ليُصبح ذلك أول تراجع لهذه الطبقة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود.

وحسب تقديرات مركز "بيو" للأبحاث، فقد تقلصت الطبقة الوسطى لأول مرة منذ تسعينات القرن الماضي بمقدار 150 مليون شخص، وهو عدد يساوي عدد سكان المملكة المتحدة وألمانيا مجتمعين؛ حيث هوت تلك الأعداد إلى أسفل هرم التدرج الاجتماعي والاقتصادي خلال العام الماضي، فيما تركزت أكبر نسبة للانخفاض في كل من دول جنوب آسيا والدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى.

المصادر: تقرير مركز بيو للأبحاث المأخوذ من النسب المئوية للسكان الموزعين حسب الدخل من عام 2014، والمسوح الاستقصائية للأسر المعيشية الخاصة بالبنك الدولي البنك لعام 2018 المُنفذة باستخدام مسوح البنك الخاصة بتوقعات البنك للنمو لشهر يناير 2020، وتقديرات النمو لعام 2020 الصادرة في شهر يناير 2021؛ حددت دخل الطبقة الوسطى والطبقة الوسطى ذات الدخل المرتفع بأنها من 10 دولارات إلى 20 دولارًا و20 إلى 50 دولارًا في اليوم الواحد، على الترتيب.

ورأت وكالة "بلومبرج" الإخبارية أن تحديد معايير تصنيف هذه الطبقة حول العالم ظلت دائمًا مثيرة للجدل؛ فلقد اعتبر مركز بيو، الذي ظل يبحث في هذه القضية لأكثر من عقد من الزمان، أن أبناء الطبقة الوسطى هم من يحصلون على 10.01 دولارًا و20 دولارًا في اليوم، وذلك استنادًا إلى البيانات التي توضح الفروق في القوة الشرائية بين الدول، فيما وضعت مراكز أخرى مثل معهد بروكينغز تعريفًا أكثر شمولية لتضم أولئك الذين يحصلون على 10 دولارًا إلى 100 دولارًا في اليوم.

وفي تحليل "بيو"، برزت شريحة منفصلة عن الطبقة المتوسطة وهم ذوي الدخل الأعلى من أبناء الطبقة الذين يحصلون على 20.01 دولارًا إلى 50 دولارًا في اليوم الواحد (مع العلم أن 50 دولارًا في اليوم الواحد هو أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور للأيدي العاملة في الولايات المتحدة قبل خصم الضرائب نظير العمل لمدة ثماني ساعات في اليوم.)

وأوضحت "بلومبرج" أن تقلص وانكماش الطبقة الوسطى حول العالم تُعد الآن ضمن أبرز التداعيات الاقتصادية الناجمة عن جائحة "كوفيد-19"، ففي الوقت الذي تضم الطبقة الوسطى حسب تصنيف بيو ما يقرب من 2.5 مليار شخص – أو بمعنى آخر ثلث سكان العالم، برزت العديد من القصص للأشخاص الذين هزمتهم التداعيات الاقتصادية للجائحة وأنفقوا كل مدخراتهم في محاولة تجاوزها.

وسلطت الوكالة الإخبارية الضوء على قصص نجاحات تحققت بشق الأنفس، لكنها قد تبخرت بين عشية وضحاها، فبعد أن كانت كل سُبل الترف مُتاحة نظرًا لعمل الكثير من الأفراد في وظائف ذات رواتب جيدة، أصبح تناول اللحوم أو شراء سيارة أو إدخال إنترنت في المنزل بمثابة حلم بعيد المنال ووسائل ترف لا يملكها الكثيرون، وتأجلت الأحلام إلى حين آخر حتى تتحسن أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية أولًا.

وتواجه العديد من الدول النامية مستقبلًا أكثر غموضًا عما كان عليه الحال في السنوات الماضية، ففي الوقت الذي تشهد فيه الصين – التي تضم ثلث الطبقة الوسطى حول العالم حسب تعريف "بيو"- تعافيًا سريعًا، إلا أن العديد من الدول النامية الأخرى تواجه آفاق اقتصادية مُنخفضة.

وفي أحدث تقرير له عن آفاق الاقتصاد العالمي، الذي صدر بالكامل في 6 أبريل الجاري، توقع صندوق النقد الدولي أن يُحقق الاقتصاد العالمي نموًا في عام 2024 بنسبة 3% أقل من التوقعات السابقة قبل تفشي الجائحة، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى أن حكومات دول العالم النامي ليست لديها قدرة مماثلة للدول الكبرى على الإنفاق من أجل تحقيق التعافي الاقتصادي، مثلما يحدث في الولايات المتحدة وأوروبا.

تفاوت مُعدلات النمو قبل وبعد الجائحة بين الدول "ملحوظة للغاية"

من المتوقع أن تُنهي الهند عام 2021 بإجمالي ناتج محلي أقل بنسبة 5.2% عن التوقعات السابقة قبل تفشي الجائحة، حسب توقعات "بلومبرج إيكونوميكس"، وسينخفض إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في إندونيسيا بنسبة 9.2% أقل من توقعات ما قبل الجائحة، فيما تشهد الولايات المتحدة انخفاضًا بنسبة 1.6% فقط.

وتقول كارمن راينهارت، كبيرة الاقتصاديين لدى البنك الدولي، إننا قد بدأنا للتو في الانتباه إلى التداعيات الاقتصادية من الدرجة الثانية للجائحة، وتخشى أن يخطئ البعض في الظن أن حدوث انتعاش في معدلات النمو هو بمثابة تعافٍ دائم.

وأوضحت أن عمليات التحصين تُنفذ في الدول الفقيرة التي لم تستطع بعد الحصول على اللقاحات مثل دول العالم الغنية بوتيرة أبطأ بكثير عما يحدث في الدول المتقدمة.

وتُضيف أن القطاع المصرفي في العديد من الاقتصادات الناشئة يشعر بالقلق مما إذا كان الارتفاع في مُعدل إقراض المستهلكين والشركات الصغيرة في السنوات التي سبقت الجائحة سيعود بنتائج عكسية عليهم، حيث تخشى راينهارت من أن يُقلص المُقرضون من توفير الائتمان، ما قد يتسبب في تأخير التعافي الاقتصادي.

وتخشى كبيرة الاقتصاديين لدى البنك الدولي من أن تضطر الحكومات في بعض البلدان إلى التحول إلى وضع التقشف قبل الأوان لأنها لا تستطيع تحمل أعباء ديونها المتزايدة، ففي الوقت الذي يستقر فيه معدل التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا، ترتفع أسعار المواد الغذائية في دول أخرى مثل البرازيل، وهو ما يدفع البنوك المركزية إلى تبني سياسة نقدية أكثر تشددًا قبل الأوان.

وتقول "راينهارت" إن عام 2020 كان طويلًا للغاية، فقد اتضح خلاله أن الاقتصاد العالمي "متجزأ"، وترى كذلك أنه قد تم الاستهانة بحجم الضرر الناجم عن الجائحة.

الهند: حلم امتلاك سيارة

"انخفض مستواي المعيشي عما كان عليه قبل ثلاثة سنوات، وأصبحت أحلامي بعيدة المنال"

رافي كانت شارما هو مهندس سيارات سابق عمره 37 عامًا تسببت جائحة كوفيد-19 في خسارته لوظيفته وتبدد أحلامه وتآكل مدخراته بعد انتقاله إلى مدينة أخرى من أجل العثور على وظيفة أخرى لكن براتب أقل.

قضى رافي سنوات طويلة من أجل توفير المبلغ اللازم لشراء سيارة ماروتي سوزوكي ألتو بقيمة 6000 دولار، وهي أول سيارة يشتريها العديد من الهنود عندما ينتقلون من امتلاك الدراجات النارية إلى السيارات ذات الدفع الرباعي، وفي الوقت الذي بدأ به عام 2020 بخطط للاحتفال بعيد زواجه القادم ودفع دفعة أولى من قيمة السيارة، إلا أن الجائحة بددت كل تلك الأحلام.

"لقد استنفدت كل مدخراتي"، يقول شارما من منزله الجديد في مدينة بهادور جاره بالقرب من العاصمة نيودلهي، "وأواجه حاليًا صعوبة في سداد أقساط القروض الحالية".

شارما هو أحد أبناء الطبقة المتوسطة في الهند – التي تُشكل حسب بعض التقديرات ثلث سكان البلاد البالغ تعدادها 1.3 مليار نسمة.

ولقد جذب نمو الطبقة المتوسطة في الهند الشركات العالمية متعددة الجنسيات التي تصنع كل شيء من السيارات إلى الهواتف المحمولة، وكذلك الشركات العملاقة في تجارة التجزئة والتجارة الإلكترونية، لذا فإن "بلومبرج" ترى أن الضربة التي ستلحق بدخل الطبقة المتوسطة في الهند سيكون لها عواقب على الاقتصاد العالمي بأسره.

وتصف ليلى فرنانديز، عالمة السياسة، جائحة كوفيد-19 بـأنها "هشاشة اجتماعية واقتصادية" للطبقة الوسطى في الهند، وتُشبهها بـ"فقاعة سوق الأسهم التي تنتظر الانفجار".

وتضيف فرنانديز أن الطبقة الوسطى في الهند – مثلها مثل باقي الدول الأخرى – تتحمل الحصة الأكبر من الخسائر الاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد-19، إلا إن الانكماش قضى كذلك على كثيرٍ من وظائف ذوي الياقات البيضاء مثل المهندسين والمعلمين، فقد خسر حوالي 21 مليون عامل بأجر وظائفهم خلال الفترة من أبريل حتى أغسطس في العام الماضي، حسب بيانات مركز مراقبة الاقتصاد الهندي.

وحسب تقديرات مركز "بيو" للأبحاث، فقد تقلصت أعداد الطبقة الوسطى في الهند بمقدار 32 مليون شخص في عام 2020، أي بنسبة 60% من التراجع العالمي في عدد الأشخاص الذي يحصلون على أجر ما بين 10 إلى 20 دولارًا في اليوم، ليُصبح ذلك هو أكبر انخفاض تشهده تلك الطبقة في الهند منذ أن بدأت في تحرير اقتصادها منذ عام 1991.

وبرزت التداعيات المتتالية الناجمة عن الجائحة بشكل خاص في قطاع السيارات في الهند، الذي يحتل المرتبة الرابعة عالميًا، ويُشكل نصف الناتج الصناعي للبلاد بأكملها؛ حيث شهد انخفاضًا في المبيعات بأكثر من 18% خلال الـ12 شهرًا المُنتهية في فبراير.

البرازيل: من لحم البقر إلى البيض

لا تُحب البرازيلية فرانسيت ألفيس تناول لحوم الأعضاء مثل الكلاوي واللسان والكبدة، لكن هذا ما باتت مضطرة إلى الاكتفاء به عندما تُفكر في شراء اللحوم للمنزل من أحد متاجر الجزارة بأسعار مُخفضة في إحدى ضواحي برازيليا، لكيلا يُصبح طعام يومها عجة بيض أخرى.

فرانسينيت ألفيس، البالغة من العمر 58 عامًا، لا تزال محظوظة لأنها مُستمرة في عملها كمساعدة في مكتب؛ حيث تتلقى أجرًا يبلغ 5000 ريال برازيلي (أي 881 دولارًا) وهو أجر مرتفع لا يؤهلها للحصول على التحويلات النقدية الطارئة التي قدمتها الحكومة البرازيلية في بداية الجائحة، لكنه لا يؤهلها كذلك لشراء الكثير من المواد الغذائية بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية وكذلك ضعف العملة.

وترى "بلومبرج" أنه من المفارقات المُثيرة للسخرية أن سخاء الحكومة البرازيلية في تقديم إعانات طارئة للمواطنين لعب دورًا في رفع الأسعار، حيث تسببت زيادة دخل حوالي 67 مليون برازيلي يقبعون تحت حد الفقر في زيادة الطلب على السلع الأساسية.

وبالنسبة لألفيس وابنتها البالغة من العمر 24 عامًا، أصبحت عادة غياب اللحوم عن الوجبات يوم الاثنين تتكرر في الثلاثاء كذلك، فبالرُغم من أن البرازيل تشتهر بشرائح لحوم الشوراسكاريا الشهيرة، إلا أنها تُكافح حاليًا تفشي فيروس كوفيد-19 الشرس الذي لا يُظهر أي علامة على بلوغ ذروة الإصابات حتى الآن لكي يبدأ بعد ذلك في التراجع، وتظهر عواقبه الاقتصادية بالتأكيد على النظام الغذائي للبرازيليين من أبناء الطبقة المتوسطة.

وحسب بيانات الوكالة الوطنية للإمداد بالأغذية، فإن سكان أكبر مصدر للحوم البقر في العالم أصبحوا يأكلون كميات أقل منه، وتراجع نصيب استهلاك الفرد من اللحم البقري بنسبة 5% ليصل إلى 29.3 كيلو جرامًا في عام 2020، وهو أدنى مستوى له منذ 1996، فيما ارتفع استهلاك البيض بنسبة 3.8%

.

وفي سوق الخضار، تقف فرانسينيت وتحاول البحث عما يمكن شراؤه بمبلغ 30 ريالاً، هو كل ما تملكه في جيبها، وقد ارتفع سعر كل شيء تقريبًا من التفاح إلى الطماطم.

"في السابق، كان 20 ريالًا كافيًا لشراء الكثير من الأشياء"، تقول ألفيس بينما كانت عيناها تنظر إلى الذرة التي لا تستطيع تحمل تكلفتها وبالرُغم من محنتها الخاصة، "ما زلت أُفكر في الأشخاص الذين لديهم أسرة يعولونها ويتلقون فقط الحد الأدنى من الأجور ... أنا لا أعرف حقًا كيف يعيشون".

جنوب إفريقيا: العودة لمنزل العائلة

"علمتني إصابتي بـ"كوفيد-19" عدم الكسل، وأصبحت أقاتل لأكسب قوت يومي لأنني لا أعرف ما يخبئه لي الغد"

موسيما كجانيان، البالغة من العمر 26 عامًا، هي خريجة كلية إدارة أعمال استهلت في يناير من عام 2020 حياتها واستقلالها المادي، وحصلت على وظيفة بدوام كامل في غوهانسبرغ بجنوب إفريقيا، واستأجرت شقة مقابل 3600 راند جنوب إفريقي (244 دولارًا) شهريًا على بعد مبانٍ قليلة من مقر عملها الجديد، حتى تتمكن من توفير تكاليف التنقل والمواصلات.

لكن في أوائل شهر مارس من العام نفسه، سجّلت البلاد أول إصابة بفيروس كوفيد-19، وفرضت الحكومة على إثر ذلك إغلاقًا صارمًا تسبب في تعرض البلاد لأكبر انكماش اقتصادي منذ قرن.

وبحلول شهر يوليو، واجه صاحب العمل - وهو أحد أكبر تجار الملابس بالتجزئة في البلاد - شبح الإفلاس، ليضطر إلى تسريح عدد من موظفيه، وبذلك انضمت موسيما إلى قائمة تشمل نحو 1.4 مليون جنوب إفريقي فقدوا وظائفهم العام الماضي، ما دفع معدل البطالة الرسمية إلى مستوى غير مسبوق بلغ نسبة 32.5%.

وفي ظل افتقارها إلى دخل لتغطية فواتيرها، تخلت موسيما عن شقتها وسددت غرامة قدرها 271 دولارًا لتعود بعد ذلك إلى منزل العائلة.

وبعد أن تبددت أحلامها، تحاول موسيما الآن العمل بلا كلل من أجل الصعود مرة أخرى، فبالرُغم من تشخيص إصابتها بفيروس كوفيد-19، إلا أنها استمرت في المحاولة حتى التحقت بوظيفة في شركة خدمات مالية بموجب عقد مؤقت، لكنها لا تزال تعلّق آمال مستقبلها على الدخل الآخر الذي تحصل عليه من عملها الجانبي في بيع السجاد والأثاث، وأحيانًا البيض.

وبعد عودتها لمنزل العائلة، أنفقت موسيما ألف دولار من مدخراتها لبناء غرفة إضافية في الجزء الخلفي من منزل العائلة حتى تتمكن من التمتع ولو بدرجة من الاستقلال الهامشي، لذلك فقد تحولت من كونها مُستأجرة في سوق العقارات الرسمي بالبلاد إلى مالك عقار غير رسمي في أقل من عام واحد فقط بعد تفشي الجائحة.

وذكرت "بلومبرج" أن العديد من مواطني جنوب إفريقيا وجدوا أنفسهم في ضائقة مماثلة؛ حيث ارتفعت معدل شواغر الشقق السكنية إلى 13.3% في الربع الأول من عام 2021 مقارنة بـ7.5% في العام السابق، وفقًا لبيانات مكتب الائتمان "تي بي إن"، فيما تزايدت الضغوط على الوحدات التي تُستأجر بقيمة 475 دولارًا شهريًا أو أقل، والتي تُمثل ثلثي السوق الرسمي.

ورأت الوكالة الإخبارية أن إرث الفصل العنصري في جنوب إفريقيا لا يزال حاضرًا بعد ما يقرب من ثلاثة عقود من إعلان نهايته الرسمية في البلاد عام 1994، حيث كشفت دراسة أجراها “المعهد العالمي لبحوث اقتصاديات التنمية” بجامعة الأمم المتحدة في عام 2018 أن مواطن واحد فقط من بين كل أربعة مواطنين جنوب إفريقيين ينتمون إلى الطبقة الوسطى المستقرة أو طبقة العليا، أما الأغلبية الباقية، فقد أوقعتهم الدراسة في شريحة الفقر المزمن أو الفقر العابر (الذين يختبرون الفقر في فترات معينة)، أو هؤلاء الذين أطلقت عليهم الدراسة “طبقة متوسطة هشة”.

تايلاند: متى يعود السائحون؟

يادا برونبيترومبا، البالغة من العمر 52 عامًا، وغيرها من بائعي المواد الغذائية الآخرين على امتداد شارع خاوسان الشهير في وسط العاصمة التايلاندية بانكوك التي عادة ما تعج بالسائحين الجوالين، هم من بين هؤلاء الذين شعروا على الفور بآثار الإغلاق شبه التام لرحلات السفر الدولي بفعل الجائحة، ما تسبب في خسارتهم لأكثر من ثلاثة أرباع عملائهم الذين كان أغلبهم من السياح.

تقول يادا "قبل تفشي الجائحة، عندما بدأت في إنشاء متجري، كان لدي بالفعل طابور من المشترين المنتظرين لشراء عصير الفاكهة الذي أبيعه، وكنت أحصل آنذاك على نسبة ربح تصل إلى 50% على كل شيء أبيعه"، أما الآن فقد انخفض دخلها بأكثر من 90% منذ تفشي الجائحة وبالكاد تكسب يادا قوت يومها من المعونات الحكومية وبيع أسياخ كرات اللحم والعصير لتتحصل على 700 بات (أي 22.42 دولارًا) في اليوم الواحد.

وخلال العام الماضي، بدأت يادا تفقد نمط حياة الطبقة المتوسطة وتخلفت عن سداد الرهن العقاري لمنزلها الواقع في إحدى ضواحي بانكوك، كما عجزت عن سداد قرض السيارة، لتنتقل بعد ذلك للعيش مع ابنتها البالغة من العمر 31 عامًا، وبصحبتهم خمسة كلاب و12 قطة، في منزل تستأجره من مالك العقار الذي وافق على تمديد فترة سداد الرهن لها حتى يعود العمل إلى التحسن.

وذكرت "بلومبرج" أن السياحة شكّلت خُمس الناتج المحلي الإجمالي لتايلاند قبل تفشي الجائحة، ما تسبب في إحداث فجوة ضخمة في اقتصاد البلاد يستغرق التعافي منه عدة سنوات.

وأوضحت الوكالة الإخبارية أن الجهود التي تدعمها الحكومة لجذب الزوار الأثرياء عن طريق المنتجعات التي تتبع إجراءات صارمة للحد من انتشار كورونا، ومراكز الحجر الصحي التي أقامتها مطلةً على ملاعب الغولف قد فشلت في إعادة السياح مرة أخرى للبلاد.

ويتوقع البنك المركزي لتايلاند قدوم نحو 3 ملايين زائر للبلاد هذا العام، وهو نصف عدد السياح الذي شهدته تايلاند في عام 2020، وأقل من عُشر الرقم الذي كانت عليه في عام 2019 عندما سجلت البلاد 39.9 مليون زائر.

"امتلاك سيارة أو منزل هي مجرد أشياء يخبرنا المجتمع بأنها تستحق التقدير، لكنها لا تحدد في واقع الأمر كيفية الانتماء للطبقة الوسطى" تقول ياد بعد أن أصبحت تزرع الخضروات الخاصة بها لإطعام نفسها وبنتها، كما أصبحت مضطرة الآن إلى بيع ساعات الرولكس المقلدة للسياح والاصطدام بالشرطة بين الحين والآخر، إنه قد أصبحت تمتلك رؤية جديدة بشأن ما هو مهم حقًا في هذه الحياة؛ فهي تثمّن الحرية التي اكتشفتها حديثاً، مع تخلصها من الديون التي كانت تتكبدها لشراء وسائل الراحة المادية.

وتُضيف "أنا الآن ليس لدي ما يمكن القول إنه أصول أو ممتلكات، لكني أشعر براحة البال".