← رجوع تم النشر في

ديفيد فيكلينج: الرأسمالية يجب أن تُقدم حلًا للتغير المناخي

ترجمة: إبراهيم مأمون

هل تستطيع دول العالم تقليص حدة الانبعاثات دون إفقار شعوبها؟

قال الكاتب ديفيد فيكلينج إن العالم يشهد في الوقت الحالي تجربة قاسية رُغم عوائدها الإيجابية على المناخ، فمن جانب تسببت جائحة الفيروس التاجي "كوفيد 19" في أكبر انخفاض في مُعدل الانبعاثات في التاريخ، لكنها مع ذلك أسفرت عن وفاة أكثر من مليون مُصاب وتسببت في أسوأ تدهور اقتصادي عالمي منذ الكساد الكبير.

وأوضح فيكلينج أن ما حدث في عام 2020 هو مُجرد مقدمة لما سيأتي في الأعوام المقبلة، حيث أصبح العالم بحاجة إلى تكرار معدل الانخفاض السنوي في الانبعاثات الذي سجل نسبة 7% في عام 2020 كل عام حتى عام 2050 من أجل خفض كميات الكربون إلى المستوى اللازم لإبقاء درجات الحرارة العالمية دون 1.5 درجة مئوية.

وأردف الكاتب يقول، هل تعتقد أن عام 2020 كان عامًا سيئًا للبشر؟ إن العقود القادمة ستُصبح أسوأ بكثير ما لم نتمكن من إنهاء الترابط الذي دام قرونًا بين النمو الاقتصادي والتلوث الكربوني.

ويُشير أحد التفسيرات الذي اكتسب زخمًا في السنوات الأخيرة إلى أن النمو نفسه هو السبب الرئيسي لمشكلة، فقد أصبحت القضية هي "الرأسمالية مقابل المناخ"، على حد تعبير العنوان الفرعي لكتاب الصحفية الكندية نعومي كلاين في عام 2014، فيما قالت الناشطة السويدية غريتا تونبرج في قمة للأمم المتحدة في عام 2019: "إن كل ما تتحدثون عنه هو المال والحكايات الخيالية عن النمو الاقتصادي الأبدي"، مُضيفة "كيف تجرؤون على ذلك!"

وأوضح الكاتب أن دول العالم أصبحت بحاجة إلى تكييف أوضاعنا الاقتصادية بالطريقة التي تتلائم مع إمكانيات الغلاف الجوي، بدلًا من الاستمرار في محاولة جعل المناخ خاضعًا لاحتياجات التوسع في الناتج المحلي الإجمالي.

واستطرد يقول إن أحدث تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة طرح سببًا لعدم ترجيح العمل بتلك الرؤية، حيث أبرز تقرير الآفاق السيناريوهات التي تعكس سياقات السياسات المختلفة، وكيف ستؤثر على استهلاك الطاقة والانبعاثات خلال العقود القادمة.

وأوضح التقرير أن هناك سيناريوهان جديدان ينضمان إلى السيناريوهات في العام الحالي؛ حيث يوضح أحدهما المسار إلى صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050، ويوضح الآخر كيف قد يُغير التعافي المُتأخر من الجائحة من الصورة المستقبلية.

وأضاف أن هذا الركود الاقتصادي سيُقلل بالفعل من الانبعاثات على المدى القريب؛ حيث من المتوقع أن يتسبب التعافي المتأخر حتى عام 2023 في انبعاث كمية أقل من الكربون إلى الغلاف الجوي مقارنةً بسيناريو التنمية المستدامة، والذي يهدف إلى الالتزام بالمسار الذي يستهدف الحفاظ على ارتفاع درجة حرارة الأرض دون درجتين مئويتين.

وأردف يقول إنه بالرغم من كل ذلك إلا أن كل شيء بدأ في الانهيار، مدفوعًا بالضعف الاقتصادي المستمر، حيث فقدت الحكومات والشركات قدرتها على تنفيذ الإنفاق اللازم من أجل إعادة تشكيل نظام الطاقة العالمي، وانخفض ​​الاستثمار في الوقود الأحفوري بنسبة 10% مقارنة بتوقعات السياسات الحالية، وانخفض كذلك الإنفاق على مصادر الطاقة المتجددة والنووية بنسبة 5%، وبالتالي ينخفض مستوى الإنفاق بمقدار 2.2 تريليون دولار بحلول عام 2030.

وأوضح أنه بدلاً من الاستثمار من أجل استبدال محطات الطاقة والأجهزة الخاصة بنا ببدائل منخفضة الكربون، فسوف تمتد فترة عملها الملوثة لفترة أطول قليلًا، وبحلول عام 2030، سترتفع الانبعاثات السنوية بنحو 29% مما ستكون عليه في ظل تبني سياسات التنمية المستدامة.

وأكد أن نموذج كيفية تطور العالم يعكس حقيقة عميقة، حيث أن الغلاف الجوي قادر على استيعاب حوالي 500 مليار طن متري إضافي من ثاني أكسيد الكربون لكي يُعطي فرصة متساوية لإبقاء درجة حرارة الأرض دون 1.5 درجة مئوية، إلا أن القاعدة الصناعية الحالية في العالم تضخ حاليًا ما يقرب من 33 مليار طن سنويًا، وستستمر في ذلك ما لم نتمكن من استبدالها.

وأوضح أن العالم بحاجة إلى استثمار مبالغ طائلة يُقدر متوسطها بحوالي 569 مليار دولار كل عام على مدار العقد القادم من أجل تعديل أنظمة الطاقة الحالية حسب سيناريو التنمية المستدامة المُعتمد لدى الوكالة الدولية للطاقة، وهذا تقريبًا ضعف المعدل الذي شهدناه خلال السنوات الخمس الماضية، وليس بعيدًا عما سينفقه قطاع النفط والغاز بأكمله في ظل نفس السياقات الحالية.

وشدد على أن أقصى ما يحتاج إليه العالم حاليًا هو هدف أكثر طموحًا، ففي حال تمكنا من تعجيل الإجراءات، سنتمكن بالتالي من جني ثمار حجم الإنفاق.

وأوضح أن إحدى الشكاوى المبررة من نشطاء المناخ المناهضين للرأسمالية هي أن أنظمتنا السياسية كثيرًا ما تُساند على نطاق واسع الشركات القائمة القوية، والتي هي في الغالب تعتمد على طاقة ملوثة للبيئة، إلا إن النظام الذي يستثمر في الوقود الأحفوري ويتجه نحو التخلص من الكربون، هو نظام يتحول فيه ميزان القوة بعيدًا عن الاقتصادات القائمة على الكربون.

وأوضح أن سيناريو السياسات الأقل طموحًا المُعلنة من قبل الوكالة الدولية للطاقة تُقدر أن مبلغ 15.14 تريليون دولار الذي يتم إنفاقه عالميًا على توليد الوقود الأحفوري وإنتاجه بحلول عام 2040 هو أقل من مبلغ 15.97 تريليون دولار الذي يتم إنفاقه على مصادر الطاقة المتجددة والنووية - ولا يتضمن ذلك المبالغ المخصصة لكفاءة الطاقة والشبكات.

وأردف يقول إنه في ظل سيناريو التنمية المستدامة - الذي ظل في كثير من الأحيان دليلًا أفضل لمسار تحول الطاقة - ننفق في نهاية المطاف من أجل الطاقة منخفضة الطاقة 2.70 دولارًا أمريكيًا مقابل كل دولار واحد يُنفق من أجل استخراج الوقود الأحفوري وتوليده.

واختتم المقال بقوله إن هذا هو العالم الذي ستضع فيه مصادر الطاقة المتجددة قواعد اللعبة بشكل متزايد لكي تُشجع الحكومات على الاستغناء عن الاحتياطات المتبقية من النفط والغاز والفحم.

وأضاف ديفيد كيفلينج أن الوقود الأحفوري الذي اعتُبر بمثابة المحرك الرئيسي للنمو الرأسمالي منذ الثورة الصناعية تسبب في وضع العالم في أزمته المناخية الحالية، لذا يتعين على القوى الرأسمالية حاليًا أن تُصبح أفضل أمل لنا في تغيير هذه الكارثة من خلال تسخير قوتها من أجل الدفع نحو التحول الكربوني.